وقد فَرَّق من اختار مذهب أبي حنيفة: بأن "لا آكل" يتضمن المصدر، والمصدر إنما يدل على الماهية من حيث هي، والماهية من حيث هي لا تعدد فيها، فليست بعامة، فلا تقبل التخصيص، فيحنث بالجميع (١)، قال: وأما "أكلًا"(٢) فليس بمصدر؛ لأنه يدل على المرة الواحدة، وحينئذ يصح تفسير ذلك الواحد بالنية، فلهذا لا يحنث بغيره (٣).
قال صاحب الكتاب: وهو ضعيف؛ لأن هذا مصدر مؤكِّد (٤) بلا نزاع (٥)، والمصدر المؤكِّد يطلق على الواحد والجمع (٦)(٧) ولا يفيد فائدة
(١) انظر: البحر المحيط ٤/ ١٧٣. (٢) في (ص): "أكل". (٣) يعني: يكون قوله: "لا آكل أكلًا" من باب العموم؛ لأنه نفي للنكرة، لا للماهية، فيقبل التخصيص. وقوله: يصح تفسير ذلك الواحد بالنية - هو التخصيص؛ لأن التخصيص بيان. (٤) المصدر له ثلاثة معاني: التأكيد، والنوع، والعدد. انظر: شرح ابن عقيل على الألفية ١/ ٥٦٢. (٥) قال القرافي: "لأن النحاة اتفقوا على أن ذكر المصدر بعد الأفعال إنما هو تأكيدٌ للفعل، والتأكيد للفعل لا ينشئ حكمًا، بل ما هو ثابت قبله. فإذا صح اعتبار النية معه (أي: مع ذكر المصدر) وجب اعتبارها قبله". شرح التنقيح ص ١٨٥. (٦) في (ص): "والجميع". وهو خطأ. (٧) وعلى هذا فقول الإمام: بأن "أكلًا" يدل على المرة الواحدة - غير صحيح؛ لأنه يطلق على الواحد والجمع. انظر: السراج الوهاج ١/ ٥١٤.