بقارئٍ، والباء زائدة لمجرَّد النفي والتأكيد. وقال بعضهم: إنّها هنا للاستفهام، وهو خطأ؛ لأنّ هذه الباء لا تزاد على الاستفهام، وإنّما تصلح للاستفهام رواية من رواها: ما أقرأ، وتصلح أيضًا للنفي.
و(قوله: فغطّني) أي: غمّني وعصَرني، ورواه بعضهم: فغتني، وهما بمعنى واحد. وفي العين: غَطَّه في الماء غَرَّقَه وغمسه، ويقال: غَتَّه وغطه وخنقه بمعنى واحد.
و(قوله: حتّى بلغ منّي الجَهد) أي: غاية المشقَّة، بفتح الجيم. والجُهد - بالضمّ -: الطاقة، قاله القُتبيّ (١). وقال (٢) الشعبيّ: الجُهد في القوت (٣) والجَهد في العمل. وقيل هما بمعنى واحد، قاله البصريّون.
وهذا الغط من جبريل للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - تفزيع له وإيقاظٌ، حتّى يقبل بكليته ما يُلقى إليه، وتكراره ثلاثًا مبالغة في هذا المعنى. وقال الخطّابيّ: كان ذلك ليبلو صبره ويحسن أدبه فيرتاض لتحمُّل ما كلّفه من أعباء الرسالة. وهذا الحديث نصّ في أوّل ما نزل من القرآن، وهو أولى من حديث جابر إذ قال: إن أوّل ما أُنزِل من القرآن: يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ وسياق حديث جابر لا ينصّ على ذلك، بل سكت عمّا ذكرته عائشة من نزول: اقرَأ في حراء، وذكر أنّه رجع إلى خديجة
(١) في (ط): ابن قتيبة. (٢) لفظة (قال) من (ط). (٣) في اللسان مادة (جهد): الغنية.