غير الركيكة زيادة في فضيلة أهل الفضل، يحصل لهم بذلك التواضع في أنفسهم، والاستغناء عن غيرهم، وكسب الحلال الخلي عن الامتنان الذي هو خير المكاسب، كما قد نصَّ عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال: إن خير ما أكل المرء من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده (١). وقد نقل عن كثير من الأنبياء أنهم كانوا يحاولون الأعمال. فأولهم آدم ـ عليه السلام ـ علَّمه الله صناعة الحراثة، ونوح ـ عليه السلام ـ علمه الله صناعة النجارة، وداود ـ عليه السلام ـ علَّمه الله صناعة الحدادة، وقيل: إن موسى ـ عليه السلام ـ كان كاتبًا، يكتب التوراة بيده، وكلهم قد رعى الغنم كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعليهم أجمعين.
(٣٤) ومن باب قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لا تخيروا بين الأنبياء.
أي: لا تقولوا فلان خير من فلان، وفي الرواية الأخرى: لا تفضلوا (٢) أي: لا تقولوا فلان أفضل من فلان. يقال: خيَّر فلان بين فلان وفلان. وفضَّل - مشدَّدًا -: إذا قال ذلك. واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث على أقوال، فمنهم من قال: إن هذا كان قبل أن يوحى إليه بالتفضيل، ويتضمَّن هذا الكلام: أن
(١) رواه البخاري (٢٠٧٢). (٢) وهي الرواية المثبتة في التلخيص، أمَّا رواية: "لا تخيروا" فهي في صحيح مسلم (٢٣٧٣) (١٦٠).