قول أبي قتادة:(سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صومه فغضب)؛ غضبه عند هذا السؤال يحتمل أوجهًا:
أحدها: أنه فهم عن السائل: أنه إنما سأل عن صومه ليلتزمه، وربما يعجز عنه، فغضب لذلك، ولم يجبه.
وثانيها: أنه فهم أن السَّائل إنما سأل ليعلم مقدار ذلك فيزيد عليه، كما قد سأل نفر عن عبادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقالّوها، وقالوا: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك.
فقال أحدهم: أما أنا: فأصوم ولا أفطر. وقال الآخر: أما أنا: فأصلي الليل ولا أنام. وقال الآخر: أما أنا: فلا أنكح النساء. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أما أنا فأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي)(١).
وثالثها: لعلَّه إنما غضب لما يؤدي إليه من إظهار عمل السرّ، كما قال صلى الله عليه وسلم:(إن من شرِّ الناس المجاهرين)؛ قيل: ومن هم؟ قال:(الرجل يعمل العمل بالليل، فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا. فيبيت يستره ربُّه، ويصبح فيكشف ستر الله عنه)(٢).
وقد ذكر في ذلك أوجه هذه أقربها، والله تعالى أعلم.
(١) رواه أحمد (٣/ ٢٤١ و ٢٨٥)، ومسلم (١٤٠١). (٢) رواه أبو نعيم في الحلية (٢/ ١٩٧).