قول عائشة:(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلني وهو صائم)؛ هذا الحديث، وحديث عمر (١) الآتي بعد هذا، وحديث عمر بن الخطاب حيث سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القبلة؟ فقال له:(أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم؟ ) قال: لا بأس به. قال:(فمه)(٢)؛ يدل: على إباحة القبلة للصائم مطلقًا. وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين، وأحمد، وإسحاق، وداود. وكرهها قوم مطلقًا. وهو مشهور مذهب مالك. وفرَّق قوم: فكرهوها للشاب، وأجازوها للشيخ؛ وهو مروي عن ابن عباس، وإليه ذهب أبو حنيفة، والشافعي، والثوري، والأوزاعي. وحكاه الخطابي عن مالك.
وقد روى ابن وهب عن مالك: أنه أباحها في النفل، ومنعها في الفرض. وسبب هذا الخلاف معارضة تلك الأحاديث لقاعدة سدِّ الذريعة. وذلك: أن القبلة قد يكون معها الإنزال؛ فيفسد الصوم، فينبغي أن يمنع ذلك حماية للباب.
ووجه الفرق بين الشيخ والشاب: أن المظنة في حق الشاب مُحَققة غالبًا، فيترتب الحكم عليها، ويشهد لصحة الفرق: ما رواه أبو داود من حديث قيس مولى تجيب (٣): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص في قبلة الصائم للشيخ ونهى عنها
(١) في الأصول: ابن عمر، وليس في صحيح مسلم ولا في التلخيص حديث لابن عمر في قُبْلة الصائم. وإنما الصحيح: عمر بن أبي سلمة، وهو الحديث الآتي بعد حديث عائشة، كما أشار المصنف -رحمه الله-. (٢) رواه أحمد (١/ ٢١)، وأبو داود (٢٣٨٥). (٣) قال في لسان الميزان (٤/ ٤٨٠): قال ابن حزم في المحلى: قيس مولى تجيب: مجهول.