(قوله - عليه الصلاة والسلام -: أَتَانِي جِبرِيلُ، فَبَشَّرَنِي: أَنَّهُ مَن مَاتَ مِن أُمَّتِكَ لَا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ) يدلُّ على شِدَّةِ تَهمُّمِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بأمرِ أُمَّته، وتعلُّقِ قَلبِهِ بما يُنجِيهم، وخوفِهِ عليهم؛ ولذلك سكَّن جبريلُ قلبَهُ بهذه البشرَى. وهذا نحو مِن حديثِ عمرو بن العاص الذي يأتي بعد هذا، الذي قال فيه: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تلا قولَ إبراهيمَ - عليه السلام -: فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَن عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وقولَ عيسى: إِن تُعَذِّبهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ. فرفَعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يدَيهِ وبكى (١)، وقال: رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فنزَلَ عليه جبريلُ، فقال له مُخبِرًا عن الله تعالى: إِنَّ الله سيُرضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا يَسُوؤُكَ (٢). وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - مُقتَضَى ما جبله الله تعالى عليه من الخُلُقِ الكريم، وأنَّه بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم.
و(قوله: لَا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا) معناه بحكم أصلِ الوضعِ: ألَاّ يَتَّخِذَ معه شريكًا في الألوهية، ولا في الخَلقِ؛ كما قدَّمناه. لكنَّ هذا القولَ قد صار بحكمِ العُرف: عبارةً عن الإيمان الشرعي؛ أَلَا تَرَى أنَّ من وحَّد الله تعالى ولم يؤمن
(١) ساقط من (ع). (٢) الحديث في صحيح مسلم برقم (٢٠٢).