إلى المدينة، وكل ذلك من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثقة بوعد الله تعالى، وتوكل، ودليل على خصوصيَّة أبي بكر من الخلَّة، وملازمة الصُّحبة في أوقات الشدة بما لم (١) يسبق إليه.
و(قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: عبدٌ خيَّره الله تعالى بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده) هذا قول فيه إبهام، قصد به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اختبار أفهام أصحابه، وكيفية تعلق قلوبهم به، فظهر أن أبا بكر كان عنده من ذلك ما لم يكن عند أحد منهم، ولما فهم من ذلك ما لم يفهموا بادر بقوله: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، ولذلك قالوا: فكان أبو بكر أعلمنا. وهذا يدلّ من أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ على أن قلبه ممتلئ من محبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومستغرق عنه، وشديد الاعتناء بأموره كلِّها من أقواله وأحواله بحيث لا يشاركه أحدٌ منهم (٢) في ذلك. ولما علم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك منه، وصدر منه في ذلك الوقت ذلك الفهم عنه اختصَّه بالخصوصيَّة العظمى التي لم يظفر بمثلها بشري في الأولى ولا في الآخرة. فقال: إن أَمَنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، فقد تضمن