يكون سببه نبذًا مجتمعة في أنفسها، متفرقة في مواضع عديدة، ويلزم عليه أن يكون سببه كثيرًا، فيكون هذا مخالفا لما قاله أنس في الأحاديث الأخر.
وكراهته ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشيب إنَّما كان لأنه وقارٌ، كما قد روى مالك: أن أوَّل من رأى الشيب إبراهيم عليه السلام ـ، فقال: يا رب! ما هذا؟ فقال: وقار. قال: يا رب زدني وقارًا (١) أو لأنه نورٌ يوم القيامة، كما روى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جدِّه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لا تنتفوا الشيب! ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورًا يوم القيامة. وفي أخرى: إلا كتب الله له حسنة، وحط عنه خطيئة (٢).
و(قول أنس ـ رضي الله عنه ـ: ما شانه الله بِبَيضاء) أي: لم يكن شيبه كثيرًا بيِّنًا حتى تزول عنه بهجة الشباب، ورونقه، ويلحق بالشيوخ، الذين يكون الشيبُ لهم عيبًا، فإنَّه يدلّ على ضعفهم، ومفارقة قوة الشباب ونشاطه. ويحتمل أن يريد: أن ما ظهر عليه من الشيب اليسير زاده ذلك في عين الناظر إليه أبهة، وتوقيرًا، وتعظيمًا.
والشَّين: العيب. وأبري النِّبل: أنحته، وأَرِيشُه: أجعل فيها الريش، ويعني: أنَّه قد كان كبر، وقوي، وعرف. وهذا حال المراهق.
و(قوله: قد شَمِطَ مُقَدَّمُ رأسه ولحيته) أي: خالط الشيب ذينك الموضعين. ومقدم اللحية: يعني به: العنفقة، كما قال أبو جحيفة: رأيت هذه منه بيضاء. يعني: عنفقته. ومقدمه يعني به: الصِّدغين، كما قال أنس: إنما كان البياض في عنفقته وصدغيه. وهذا يدلّ: على أن قول أنس في الرواية الأخرى: إنه كان في
(١) رواه مالك في الموطأ (٢/ ٩٢٢). (٢) رواه أبو داود (٤٢٠٢).