رواه أحمد (٦/ ٢٢٩)، ومسلم (٢٣٢٨)(٧٩)، وأبو داود (٤٧٨٦).
ــ
الله تعالى، وما عدلت منذ اليوم! وكصفحه عن الذي جبذ رداءه عليه حتى شقَّه، وأثر في عنقه. فإنَّ قيل: فأذاه انتهاك حرمة من حرم الله، فكيف يترك الانتقام لله تعالى فيها؟ وكيف وقد قال الله تعالى:{يُؤذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} فالجواب: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ترك الانتقام مِمَّن آذاه استئلافًا وتركًا لما ينفِّر عن الدخول في دينه، كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لئلا يتحدث الناس أن محمَّدًا يقتل أصحابه (١). وقد قال مالك: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعفو عمَّن شتمه، مشيرًا إلى ما ذكرنا. وإذا تقرر هذا فمراد عائشة رضي الله عنها بقولها: إلا أن تنتهك حرمة الله: الحرمة التي لا ترجع لحق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كحرمة الله، وحرمة محارمه، فإنَّه كان يقيم حدود الله على من انتهك شيئًا منها، ولا يعفو عنها، كما قال في حديث السَّارقة: لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها (٢)، لكن ينبغي أن يفهم: أن صفحه عمَّن آذاه كان مخصوصًا به وبزمانه لما ذكرناه، وأما بعد ذلك فلا يُعفى عنه بوجه.
قال القاضي عياض رحمه الله: أجمع العلماء على أن من سبَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كفر. واختلفوا، هل حكمه حكم المرتد يُستتاب؟ أو حكم الزنديق لا يُستتاب؟ وهل قتله للكفر أو للحدِّ؟ فجمهورهم: على أن حكمه حكم الزنديق، لا تقبل
(١) سبق تخريجه. (٢) رواه البخاري (٣٤٧٥)، ومسلم (١٦٨٨) (٨)، وأبو داود (٤٣٧٣)، والترمذي (١٤٣٠)، والنسائي (٨/ ٧٣ - ٧٤)، وابن ماجه (٢٥٤٧).