(لقد تاب توبة لو قُسِمَت بين أُمَّةٍ لوسعتهم). والأمَّة: الجماعة من الناس. وقد يقال على الجماعة مما لا يعقل. فيقال: أمَّة من الحمير، ومن الطير. ومنه قوله تعالى:{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ إِلا أُمَمٌ أَمثَالُكُم} ويعني بالأمَّة في هذا الحديث السبعين الذين ذكروا في حديث الغامدية. وزاد أبو داود من رواية ابن عباس: أن ماعزًا لما رجم سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما، ثم سار ساعة حتى مرَّ بجيفة حمار شائلٍ بِرِجلِه. فقال:(أين فلان وفلان؟ ) فقالا: نحن ذانِ يا رسول الله! فقال: (انزلا وكلا من جيفة هذا الحمار) فقالا: يا رسول الله! من يأكل من هذا؟ قال:(فما نِلتُما من عِرضِ أَخِيكُما آنفًا أشد من أكلٍ منه، والذي نفسي بيده! إنَّه الآن في أنهار الجنة ينغمسُ فيها)(١).
قلت: فهذه الروايات كلها متواردة على أن الحدّ كفارة، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت حيث قال:(فمن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة)(٢).
وقد زاد أبو داود في حديث ماعز من حديث خالد بن اللجلاج: أنه لَمَّا رجم جاء رجل يسأل عن المرجوم، فانطلقنا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لهو أطيب عند الله من ريح المسك)، فإذا هو أبوه، فأعنَّاه على غسله وتكفينه، ودفنه. قال: وما أدري؛ قال: والصلاة عليه، أم لا (٣)؟
(١) رواه أبو داود (٤٤٢٨)، والدارقطني (٣/ ١٩٦ - ١٩٧)، والبيهقي (٨/ ٢٢٧ - ٢٢٨). (٢) رواه البخاري (٧٢١٣)، ومسلم (١٧٠٩)، والترمذي (١٤٣٩)، والنسائي (٧/ ١٤٨). (٣) رواه أبو داود (٤٤٣٥).