و(سَمَرَ) أي: فقأها بمسامير محميَّةٍ؛ قاله أبو عبيد. وقال غيره:(سَمَلَ) و (سَمَّرَ) بمعنى واحد. أبدلت الرَّاء من اللام. وفيه بُعدٌ.
(يستسقون): يسألون أن يسقوا. وفي الأصل (١): (وقد وقع بالمدينة ألمُوم، وهو البرسام). والبرسام: لفظة يونانية تستعملها الأطبَّاء في كتبهم، يعنون به: وجعَ الرأسِ أو الصَّدر.
وفي الحديث أبواب من الفقه؛ منها: جواز التطبب، وأن يطب كل جسم بما اعتاد. فإن هؤلاء القوم أعراب البادية، عادتهم شرب أبوال الإبل وألبانها، وملازمتهم الصحارى. فلمَّا دخلوا القرى، وفارقوا أغذيتهم، وعادتهم؛ مرضوا. فأرشدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك، فلمَّا رجعوا إلى عادتهم من ذلك، صحُّوا، وسمنوا.
وفيه دليل لمالك على طهارة بول ما يؤكل لحمه. وقد تقدَّم.
وفيه جواز (٢) قتل المرتدين من غير استتابةٍ.
وفيه: القصاص من العين بمثل ما فقئت به، كما قال أنس: إنما سَمَل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعينهم؛ لأنهم سَمَلوا أعين الرِّعاء، وإنَّما قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيديهم وأرجلهم لأنهم فعلوا كذلك بالرَّاعي؛ على ما حكاه أهل التاريخ (٣) والسِّير. قالوا: كان هذا الفعل من هؤلاء المرتدِّين سنة ست من الهجرة. واسم الرَّاعي: يسار، وكان نوبيًّا. فقطعوا يديه، ورجليه، وغرزوا الشوك في عينيه حتَّى مات، وأدخل المدينة ميتًا. ففعل بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما فعلوا به.
قلت: وعلى هذا: فلا يكون فيه إشكال. ويكون فيه دليل على القصاص من الجماعة بالواحد في النفس والأطراف. وهو قول مالك، وجماعة. وخالف في
(١) أي: في الرواية رقم (١٦٧١/ ١٣) في كتاب مسلم. (٢) زيادة من (ل ١). (٣) في (ج ٢): التواريخ.