ما يقوِّي دعوى المدَّعي من لطخ، أو شبهة، لتعيَّن أن يستحضر ويسمع جوابه عمَّا ادعي عليه. ثم قد يختلف هذا في القرب، والبعد، وشدة الضرر، وقلَّته.
و(قوله: فكتبوا: إنَّا والله ما قتلناه! ) فيه من الفقه: الاكتفاء بالكتبِ، وبأخبار الآحاد مع إمكان المشافهة، وأن اليمين قبل استدعائها، وتوجهها لا اعتبار بها.
و(قوله للمدَّعين: [أتحلفون خمسين يمينًا] (١)) دليل: على أن القسامة يبدأ فيها المدَّعون بالأيمان. وهو قول معظم القائلين: بأن القسامة يُستوجب بها الدَّم. وقال مالك: الذي أجمعت عليه الأمة في القديم والحديث: أن المدَّعين يبدؤون في القسامة، وخالف في ذلك الكوفيون، وكثير من البصريين، والمدنيين، والأوزاعي. وروي عن الزهري، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وقالوا: يُبدَأ بالمدَّعى عليهم؛ متمسكين في ذلك بالأصل الذي دلَّ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - للمدَّعي:(شاهداك، أو يمينه)، وبأنه قد روي هذا الحديث من طرق ذكرها أبو داود، والنسائي. ذكر فيها: أنه - صلى الله عليه وسلم - طالب المدَّعين بالبينة. فقالوا: ما لنا بيِّنة، فقال:(فتحلف لكم يهود خمسين يمينًا)(٢). وهذا هو الأصل المقطوع به في باب الدَّعاوى؛ الذي نبَّه الشرع على حكمته بقوله:(لو أعطي الناس بدعاويهم لاستحل رجال دماء رجال وأموالهم، ولكن البيِّنة على المدَّعي، واليمين على من أنكر)(٣). وقد أجاب الجمهور عن ذلك: بأن الصحيح المشهور المعروف من حديث حُويصة ومحيصة تبدئة المدَّعين بالأيمان. وهي رواية الأئمة الحفَّاظ
(١) ما بين حاصرتين لم يرد في التلخيص ولا في صحيح مسلم، وأوردها المؤلف -رحمه الله- من سنن الترمذي (١٤٢٢)، والنسائي (٨/ ٩). (٢) رواه أبو داود (٤٥٢٠) و (٤٥٢١)، والنسائي (٨/ ٩). (٣) رواه البخاري (٤٥٥٢)، ومسلم (١٧١١)، وأبو داود (٣٦١٩)، والنسائي (٨/ ٢٤٨).