و(قوله: فلم يقل، ونسي) أي: لم ينطق بتلك الكلمة ذهولًا ونسيانًا، أنساه الله تعالى إيَّاها لينفذ قدر الله تعالى الذي سبق به علمه، من جعل ذلك النسيان سببًا لعدم وقوع ما تمنَّاه وقصده سليمان ـ عليه السلام.
و(قوله: فلو قال: إن شاء الله لم يحنث) دليل على جواز قول: (لو) و (لولا) بعد وقوع المقدور. وقد وقع من ذلك مواضع كثيرة في الكتاب، والسُّنة، وكلام السَّلف، كقوله تعالى:{لَو أَنَّ لِي بِكُم قُوَّةً أَو آوِي إِلَى رُكنٍ شَدِيدٍ} وكقوله: {وَلَولا رِجَالٌ مُؤمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤمِنَاتٌ} وكقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدَّهر، ولولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام، ولم يخنز اللحم)(١).
فأمَّا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح:(لا يقولن أحدكم: لو؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان (٢)) فمحمول على من يقول ذلك معتمدًا على الأسباب، مُعرضًا عن المقدور، أو متضجرًا منه، كما حكاه الله تعالى من قول المنافقين حيث قالوا:{لَو أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} ثم ردَّ الله قولهم، وبيَّن لهم عجزهم، فقال:{قُل فَادرَءُوا عَن أَنفُسِكُمُ المَوتَ إِن كُنتُم صَادِقِينَ} ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث: (المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل: لو كان كذا لكان كذا؟ فإن لو تفتح عمل الشيطان. قل: ما شاء الله كان، وما شاء فعل)(٣)، فالواجب عند وقوع المقدور التسليم لأمر الله، وترك الاعتراض على
(١) رواه أحمد (٢/ ٣١٥)، والبخاري (٣٣٩٩)، ومسلم (١٤٧٠) (٦٢). (٢) هو الحديث التالي. (٣) رواه أحمد (٢/ ٣٦٦ و ٣٧٠)، ومسلم (٢٦٦٤)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (٦٢٣ و ٦٢٤)، وابن ماجه (٧٩) و (٤١٦٨).