و(قول جابر ـ رضي الله عنه ـ: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح يقول: (إن الله ورسوله حرَّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام) كذا صحَّت الرواية: (حرَّم) مُسندًا إلى ضمير الواحد. وكان أصله: حَرَّما؛ لأنه تقدَّم اثنان، لكن تأدَّب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجمع بينه وبين اسم الله تعالى في ضمير الاثنين؛ لأن هذا من نوع ما ردَّه على الخطيب الذي قال: ومن يعصهما فقد غوى. فقال له:(بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله)(١) وقد قدَّمنا الكلام عليه في كتاب الصلاة. وصار هذا مثل قوله تعالى: الله بريء من المشركين ورسوله (٢)، فيمن قرأ بنصب (رسولَه) غير أن الحديث فيه تقديم، وتأخير؛ لأنه كان حقه أن يقدم:(حرَّم) على (رسوله) كما جاء في الآية، والله تعالى أعلم (٣).
وهذا الحديث يدلُّ: على أن تحريم الخمر كان متقدِّما على فتح مكة، وقد سوَّى في هذا الحديث بين الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام، فلا يجوز بيع شيء مِمَّا يقال عليه خمرٌ. وقد قدمنا، ويأتي: أن الخمر: كل شراب يُسكر من أي شيء كان، من عنب أو غيره. فيحرم بيع قليله وكثيره. وقد قلنا: إن تحريم نفعه (٤) مُعَلَّل بنجاسته، وأنه ليس فيه منفعة مسوِّغة شرعا.
وأما الميتة: فيحرم بيع
(١) رواه أحمد (٤/ ٢٥٦)، ومسلم (٨٧٠)، وأبو داود (١٠٩٩)، والنسائي (٦/ ٩٠). (٢) رسولُه: مبتدأ، والخبر محذوف، أي: ورسولُه بريءٌ من المشركين، وإنما حُذف لدلالة الأول عليه، وهذا أصح الأوجه. إعراب القرآن الكريم لمحيي الدين درويش (٤/ ٥٢). (٣) ما بين حاصرتين ساقط من (م). (٤) في (ل ١): بيعه.