عبد الرحمن، والحسن البصري. وخالفهم في ذلك الجمهور. ثم هم فريقان:
الأول: أجاز كراءها بكلِّ ما يجوز أن يكون ثمنًا في البياعات من العروض، والذهب، والفضة، والأطعمة المضمونة. وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، والأوزاعي، والثوري، متمسكين بقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ} والإجارة بيعٌ، وبقول رافع: أما بالذهب والفضة فلا بأس. وفي طريق آخر: أما بشيء معلوم مضمون فلا بأس به، وبقياس إجارة الأرض على العقار، وهو من أقوى أنواع القياس، لأنه في معنى الأصل. واعتذر هؤلاء عن أحاديث النَّهي بوجهين:
أما أبو حنيفة: فعلى أصله في ترجيح القياس على خبر الواحد (١). وأما الشافعي ومن قال بقوله: فيمكن أن يقال: حملوا مطلق تلك النواهي على مقيدها، ورأوا: أن محل النهي إنما هو ما لم يكن مضمونًا، ولا معلومًا. ويمكن أن يقال: إنهم صرفوا ظاهر النهي إلى التنزه عن ترك الأولى والأحسن، كما فهمه ابن عباس حيث قال: لم ينه عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال: (يمنح أحدكم أرضه خير من أن يأخذ عليها خرَجًا معلومًا) وفي اللفظ الآخر: (لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليه كذا وكذا - لشيء معلوم -). وقوله:(لم ينه) أي: لم ينه (٢) عنه نهي تحريم، بل نهي تنزيه، على ما تقرر.
الفريق الثاني: هو مالك وأصحابه. فالمشهور من مذهبه: أنه لا يجوز كراؤها بشيء من الطعام كان؛ مما تُنبته، أو مما لا تنبته؛ كالعسل واللبن وغيرهما، ولا بشيء مما تنبته ما عدا القصب والخشب. وقال ابن كنانة: لا تكرى بشيء إن أعيد فيها نبت، ولا بأس أن تكرى بغير ذلك. وبه قال يحيى بن يحيى،