وقد دلَّ على صحَّة هذا قوله في حديث آخر:(وغيرة الله ألا يأتي المؤمن ما حرَّمه الله عليه)(١).
و(قوله: لا شخص أغير من الله) أصل وضع الشخص لِجُرم الإنسان وجسمه. يقال: شخص الإنسان، وجثمانه، وطلله، وآله. كلها بمعنى واحد على ما نقل أهل اللغة. وشخص الشيء، يشخص: إذا ظهر شخصه. وهذا المعنى على الله تعالى محالٌ بالعقل والنقل على ما قدَّمناه في غير موضع، فتعيَّن تأويله هنا.
وقد قيل فيه: لا مرتفع (٢)؛ لأن الشخص: ما شخص وظهر وارتفع، وفيه بُعدٌ. وقيل فيه:(لا شيء). وهذا أشبه من الأول، وأوضح منه؛ أي: لا موجود، أو: لا أحد. وهو أحسنها. وقد جاء في رواية أخرى:(لا أحد) منصوصًا. وأطلق الشخص مبالغة في تثبيت إيمان من يتعذر على فهمه موجود لا يشبه شيئًا من الموجودات؛ لئلا يقع في النفي والتعطيل، كما قال في حديث الجارية، لما قالت: في السماء (٣). فحكم بإيمانها مخافة أن تقع في النفي؛ لقصور فهمها عمّا ينبغي له تعالى من حقائق الصفات. وعمَّا يُنَزَّه عنه مما يقتضي التشبيهات. والله تعالى أعلم.
و(قوله: ولا شخص أحبُّ إليه العذر من الله). أحب: مرفوعٌ على أنَّه خبر المبتدأ الذي هو: العذر، على التقديم والتأخير. وخبر التنزيه (٤) محذوف؛ أي: لا أحد موجودٌ العذر أحبّ إليه من الله. ويمكن فيه إعراب آخر. وهذا أوضح.
(١) رواه أحمد (٢/ ٣٤٣)، والبخاري (٥٢٢٣)، ومسلم (٢٧٦١)، والترمذي (١١٦٨). (٢) في (ج ٢): مُترفع. (٣) رواه مسلم (٥٣٧)، وأبو داود (٣٢٨٢)، والنسائي (٣/ ١٤ - ١٨). (٤) أي: خبر (لا) التي هي للتبرئة والتنزيه.