محتمل، لا جرم قال معاذ في الحديث الآخر (١): (هم أهل الشام). ورواه الطبري وقال:(هم ببيت المقدس). وقال أبو بكر الطرطوشي في رسالة بعث بها إلى أقصى المغرب، بعد أن أورد حديثًا في هذا المعنى؛ قال- والله تعالى أعلم-: هل أرادكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أراد بذلك جملة أهل المغرب؛ لما هم عليه من التمسُّك بالسُّنة والجماعة، وطهارتهم من البدع والإحداث في الدِّين، والاقتفاء لآثار من مضى من السَّلف الصالح؟ والله تعالى أعلم (٢).
قلت: وفي هذا الحديث دلالة على صحَّة الإجماع؛ لأن الأمة إذا أجمعت فقد دخلت فيهم هذه العصابة المختصة، فكل الأمة مُحق فإجماعهم حق. ويفيد هذا المعنى أيضًا قوله تعالى:{وَمِمَّن خَلَقنَا أُمَّةٌ يَهدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعدِلُونَ}
ولا تعارض بين هذا الحديث وبين قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقوم السَّاعة إلا على شرار الخلق)(٣)، وبين قوله:(لا تقوم السَّاعة وفي الأرض من يقول: الله، الله)(٤)؛ لما يأتي في حديث عقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو، فإنه -صلى الله عليه وسلم- بيّن ذلك فيه بيانًا شافيًا، فتأمله، فلا مزيد عليه.
(١) ساقط من (ج ٢). (٢) انظر الموضوع في البخاري (الاعتصام: ١٠). (٣) هو حديث عقبة بن عامر المتقدم. (٤) رواه أحمد (٣/ ٢٦٨)، ومسلم (١٤٨)، وابن حبان (٦٨٤٩).