والاتصاف بقوله، ولم يكن موصوفًا بشيء من ذلك بالاتفاق، ألا ترى أن قريشًا تراوضت فيما يقولون (١) للعرب فيه إذا قدموا عليهم الموسم، فقال بعضهم: نقول: إنه شاعر. فقال أهل الفطنة منهم: والله لتكذبنكم العرب، فإنهم يعرفون أصناف الشعر، فوالله ما يشبه شيئا منها، وما قوله بشعر. وقال أنيس أخو أبي ذر: لقد وضعت قوله على أقراء الشعر (٢) فلم يلتئم أنه شعر. وكان أنيس من أشعر العرب. وهذا الوجه هو المعتمد في الانفصال. والله تعالى أعلم.
وفائدة قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أنا النبي لا كذب) إلى آخره؛ جواز الانتماء عند الحرب، كما قال سلمة بن الأكوع: خذها وأنا ابن الأكوع. وقد روي ذلك عن جماعة من السَّلف. وقال ابن عبد الحكم من أصحابنا: إنما يكره أن يكون ذلك على وجه الكبر، والافتخار، كما كانت الجاهلية تفعل.
وقوله- أعني البراء -: (كنا إذا احمر البأس نتقي به)؛ هذا كناية عن شدة الحرب، إما لحمرة دم الجرحى والقتلى. وإما لتشبيه ذلك بحمرة جمرة النار. و (البأس) هنا: الحرب.
وقوله:(ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفرّ)؛ هذا هو المعلوم من حاله، وحال الأنبياء صلى الله عليه وعليهم وسلم؛ من إقدامهم، وشجاعتهم، وثقتهم بوعد
(١) ساقطة من (ع). (٢) "أقراء الشعر": قوافيه التي يختم بها (اللسان).