وقال أحمد، وإسحاق، والشافعي - في القول الآخر -، وأهل الظاهر: إن التمتع أفضل.
وسبب اختلافهم: اختلاف الروايات في إحرام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فروت عائشة، وجابر بن عبد الله، وأبو موسى، وابن عمر رضي الله عنهم: أنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم بالحج. وروى أنس، وعمران بن حصين، والبراء بن عازب، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم: أنه قرن الحج والعمرة. وروى ابن عمر: أنه تمتع.
فلما تعارضت هذه الروايات الصحيحة؛ صار كل فريق إلى ما هو الأرجح عنده، فما اعتضد به لمالك: أن عائشة أعلم بدُخلَة (١) أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غيرها؛ لملازمتها له، ولبحثها وجدها في طلب ذلك. وكذلك جابر: هو أحفظ الناس لحديث حجته - صلى الله عليه وسلم -، ولأن الإفراد سلم عما يجبر بالدم؛ فخلاف التمتع والقران؛ إذ كل واحد منهما يجبر ما يقع فيهما من النقص بالدم. ومما اعتضد به لمن قال: إن (٢) القران أفضل: أن أنسًا خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنده من تحقيق ذلك ما ليس عند غيره؛ إذ قد نقل لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:(لبيك عمرة وحجًّا)(٣). وفي حديث البراء الذي خرجه النسائي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي
(١) في اللسان: دخلة أمره: بطانته الداخلة. ويقال: إنه عالم بدخلة أمره. (٢) من (هـ). (٣) رواه مسلم (١٢٣٢)، وأبو داود (١٧٩٥)، والترمذي (٨٢١)، وابن ماجه (٢٩٦٨ و ٢٩٦٩).