وثانيها: أن ذلك خاص بها، ولذلك قال مالك: حديث عروة عن عائشة ليس عليه العمل عندنا، قديمًا ولا حديثًا.
وثالثها: أن المراد بالنقض والامتشاط: تسريح الشعر لغسل الإهلال بالحج، ولعلها كانت لبَّدت، ولا يتأتى إيصال الماء إلى البشرة مع التلبيد إلا بحل الضفرة وتسريح الشعر. ويتأيد بما في حديث جابر: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لها:(فاغتسلي، ثم أهلي بالحج)(١). وقد تركنا من التأويلات ما فيه بُعد، واكتفينا بما ذكرناه؛ لأنه أوفقها، والله تعالى أعلم.
فأما قوله:(ودعي العمرة)؛ فمحمول على ترك عملها، لا على رفضها، والخروج منها؛ بدليل قوله في الرواية الأخرى:(وأمسكي) مكان (ودعي)، وهو ظاهر في استدامتها حكم العمرة التي أحرمت بها، وبدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يسعك طوافك لحجك وعمرتك)؛ وهذا نصٌّ على أن حكم عمرتها باق عليها.
وقولها:(فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت)؛ هذا إنما كان بعد أن رغبت في أن تحرم بعمرة مفرقة (٢) بعد فراغها من حجتها وعمرتها المقرونتين، بدليل قولها في الرواية الأخرى:(يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع بحجة)؛ تعني المتمتعين من الناس، وكما قالت في الرواية الأخرى:(فأهللت منها بعمرة جزاءً بعمرة الناس التي اعتمروا).
وقوله عند فراغ هذه العمرة:(هذه مكان عمرتك)؛ إنما قال لها هذا: لأنها
(١) يأتي في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، باب رقم (١٧). (٢) في (هـ): مفردة.