وثالثها: أن معناه: يجهر به. كما فسّره الصحابي راوي الحديث، وهذا أشبه؛ لأن العرب تسمي كل من رفع صوته ووالى به: غانيًا، وفعله ذلك: غناء، وإن لم يلحنه تلحين الغناء، وعلى هذا فسّره الصحابي، وهو أعلم بالمقال، وأقصد بالحال. والله تعالى أعلم.
وقوله لأبي موسى: لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود: المزمار والمزمور: الصوت الحسن، وبه سُمِّيت آلة الزمر: مزمارًا. وآل داود: نفسه. وآل: صلة، والمراد به: داود نفسه، وفي غير الأم (١) قال أبو موسى للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لو علمت أنك تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيرًا (٢)؛ أي: لحسَّنته ولجمَّلته. والحبر: الجمال، ومنه الحديث في وصف الرجل من أهل النار: ذهب حبره وسبره (٣)؛ أي: جماله وبهاؤه. وهذا محمول على أبي موسى: على أنه كان يزيد في رفع صوته وتحسين ترتيله، حتى يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعرفه أنه قَبِلَ عنه
(١) المقصود في غير صحيح مسلم. (٢) الحديث رواه أبو يعلى من طريق سعيد بن أبي بردة، عن أبيه. انظر: (التذكار في أفضل الأذكار) للقرطبي (ص ١٤٦). و (فتح الباري ٩/ ٩٣). (٣) ذكره الهروي في (غريب الحديث ١/ ٦٠).