وقوله: خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي وعصبي؛ أي: أخذ كل عضو من هذه الأعضاء حظه من الخضوع والتذلل؛ أي: سكنت وافتقرت، وإن كان أصل الخشوع في القلب؛ لكن ثمرته تظهر على الجوارح والأعضاء، فسُمِّيَ بذلك: خشوعًا، كما قال تعالى:{تَرَى الأَرضَ خَاشِعَةً}؛ أي: متذللة، مفتقرة لما تحيا به من الماء، أو يكون هذا على الإغياء (١) والتشبيه، كما قال:
لا عُضوَ لي إلا وفيه محبةٌ ... فكأن أعضائي خلقن قلوبًا
وهذا هو النور الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس المتقدم. وقد تقدم القول في: ملء السماوات والأرض، في الطهارة.
وقوله: وملء ما شئت من شيء بعد: يحتمل أن يكون معناه: من شيء يمكن أن يخلقه؛ يكون أكبر من السماوات والأرض، ويحتمل أن يراد به العرش والكرسي، ففي الحديث: إن السماوات والأرض في الكرسي كالحلقة الملقاة في فلاة من الأرض، والكرسي وما فيه في العرش كحلقه ملقاة في فلاة (٢). والله تعالى أعلم. ومقصود هذا الحديث: الإغياء في تكثير الحمد والثناء.
(١) هو بلوغ الغاية في الأمر. (٢) رواه الآجري وأبو حاتم البستي والبيهقي. (تفسير القرطبي ٣/ ٢٧٨).