المستقلة ملزومة لمعلولها، غير مسلّم فيما نحن فيه من العلل الشرعية؛ إِذ الملزوم لمعلوله إِنما هو العقلية.
أما الشرعية فلا نعني باستقلالها ذلك، بل إِنها إِذا انفردت لزمها المعلول، فكان جاريًا على المنهاج الأول الذي [سلكه](١) في الجواب عن الدليل الأول.
فإِن قلت: وماذا يجديه هذا، وقد أوضحت بطلانه آنفًا؟
قلت: يقول: لا نسلّم أنها تستلزم معلولها، بل قد يتخلّف عنها المعلول، وغاية ما يلزم نقض العلة، وهو غير قادح في العلية إِذا كان لمانع كما في مسألتنا.
فإِن حصول الحكم أولًا مانع من حصوله ثانيًا، وحصوله بإِحدى العلّتين إِذا وقع معًا، مانع من حصوله بالأخرى، وعندي هذا يظهر لك أنه لا بد من أخذ النقض قسمًا من أقسام الدليل، ويقال: اللازم من التعليل بعلّتين تحصيل الحاصل، أو اجتماع المثلين، أو النقض، كما أوردناه نحن، ويظهر لك - أيضًا - أنه إِنما يتم عند من يجعل النَّقض قادحًا مطلقًا، سواء أكان لمانع أم لا - وهو رأينا - ويظهر لك - أيضًا - أن التعليل بعلّتين من فروع مسألة النَّقْض كما قدمناه في النقض.
الشرح: الوجه الثالث: ما أشار إِليه في الكتاب بقوله: "قالوا: لو جاز لما تعلّق الأئمة في علّة الربا بالترجيح؛ لأن من ضرورته صحة الاستقلال".
وتقريره: أن الأمة اجتمعت على منع التعليل بعلّتين، فدلّ أنه لا يجوز، وإنما قلنا: إِن الأمة اجتمعت؛ لأن القياسيين أجمعوا، وهم علماء الأمة الذين يعتبر خلافهم ووفاقهم.
وأما من ينكر القياس، فلا يقيم أهل التَّحقيق بخلافه ووفاقه وزنًا، وإِنما ادَّعينا إِجماع القياسيين؛ لأن السَّلف الماضين اختلفوا في الرِّبا وعلّته اختلافًا بينًا، ولم يتركوا متخيلًا إِلا وأبدوه، مع إِطباقهم على اتِّحَاد العلّة فيه، وإِمكان أن يقال: إِن العلل متعددة، وأن يجعل الكَيْل والطّعم والقوت عللًا مجتمعة على معلول واحد، ولم يبد ذلك منهم أحد، ولا قاله فيهم قائل، فدلّ على منع التعدّد.