وفصَّلَ إمام الحرمين فقال: اللَّفظ يتناوله صيغة، ولكنه خارج عنه عادة، وهذا في الأمر والنهي حيث لا يستلزم كون الأمر أمرًا لنفسه، وإن استلزم مثل: ليقم الناس، فالصحيح لا يدخل، ولا يلزم كونه آمرًا مأمورًا، واجتماع العلو وضدّه؛ بناء على اشتراط العلو في الآمر وضده في المأمور.
والمانعون من دخول المتكلّم في عموم كلامه "قالوا": لو دخل كان "يلزم" كون الرّب خالقًا نفسه؛ لقوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [سورة الزمر: الآية ٦٢].
"قلنا": هذا ظاهره، ولكن "خصص بالعقل".
ومن أصحابنا من أجاب بأن الخلق لا يتصور في ذات الباري - تعالى - ولا يتوهم فيها، فلا [يشمل](١) العموم عليه، وهذا مَهْيَعٌ يُسْلك في كل مخصوص بالعقل، فيقال: إنه لم يدخل؛ لأن اللفظ إنهما يشتمل على الممكن، فلا يقال: خص.
"فائدة"
ما أحسن حذف المصنّف اللَّازم وذِكْر دليله حيث قال: يلزم "الله خالق كل شيء" ومراده يلزم كون الرب خالق نفسه من قوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾؛ فإنه حذفه تأدّبًا واسْتِهْجانًا لذكر هذه اللَّفظة كما وقع في الحديث:"يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ " إلى أن يقول: "هذا اللَّهُ خَلَقَ الخلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ؟ وذكر كلمة"(٢).
فانظر قوله: وذكر كلمة، ووقع في بعض الروايات التصريح بها، وهي: فمن خلق الله؟، وحَذْفُهَا محمولٌ على التأدّب، وذِكرُها محمول على الإيضاح.
"فرع"
اختلف الأصحاب فيمن قال: نساء العالمين طَوَالق، هل تطلق امرأته؟
قال الرافعي: وبنى الخلاف على أن المُخاطِب هل يدخل، وصحح النووي أنها لا تطلق، قال: لأن الأصح لا يدخل.
(١) في ج: يشتمل. (٢) أخرجه البخاري ٦/ ٣٨٧ كتاب بدء الخلق: باب صفة إبليس وجنوده (٣٢٧٦) من طريق يحيى بن بكير، وأخرجه مسلم ١/ ١٢٠ كتاب الإيمان: باب بيان الوسوسة في الإيمان (٢١٤/ ١٣٤).