أما إذا شرعَّ الإنسان شرعًا للناس واستعاض به عن شرع الله المنزل، ودعاهم إليه، وحملهم عليه، وزهدهم في شرع الله ﷺ فهذا لا ريب أنه ينبئ عن كفر أكبر، قال الله ﷺ: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: ٢١]. فسماهم الله تعالى شركاء، فكأن هذا منازعة لله ﷿ في حق من حقوقه المتعلق بربوبيته وألوهيته أيضًا، فإن من ربوبيته الأمر: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤]. فهو الآمر سبحانه، لا يجوز أن ينازع سبحانه في هذا الأمر، وطاعته من هذا الجانب: من التعبد إليه ومن حقوق ألوهيته، فمن أجل ذا كان الحكم بغير ما أنزل الله يتعلق به توحيد الربوبية وتوحيد الإلوهية.
فهذا هو القول الفصل في هذه المسألة: وهو أن يقال: أن من حكم في قضية عين رغبةً أو رهبةً لم يخرج بذلك عن حد الإيمان، ولم ينتقل إلى الكفر، ولكنه أتى كبيرةً ولا ريب، ويوصف عمله بأنه كفر وفسق وظلم لكنه أصغر، أما من سن قوانين، ودعا إليها، وحمل الكافة عليها، واستعاض بها عن شرع الله ﷿ فإن هذا يلحقه بالكفر الأكبر؛ لأنه ما كان ليصنع ذلك إلا لاعتقاده بأن هذه القوانين أفضل وخير من حكم الله ﷿ ومما أنزل الله تعالى، أو على الأقل أنها مساوية، وكلا الحالين تعتبر مخرجةً عن الملة.
وقد ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- أن هولاكو الذي غزا البلاد الإسلامية من جهة المشرق، اتخذ لقومه قانونًا وضعه جده جنكيز خان يقال له: الياسق. جمع فيه أحكامًا من مختلف الملل والنحل والشرائع،
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك رقم (٣٢١٩)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (٢٥٥٢).