حقيقة التوكل اعتماد القلب على الله ﷿ في حصول المطلوب، ودفع المرهوب مع فعل الأسباب الموصلة إلى ذلك.
فالقلب قلب يركن إلى ركن شديد: وهو الله ﷿، لا بمجرد الكلام بل يتضح في المواقف، فيتبين من المتوكل على الله حقًا ممن يتوكل باللسان، إذا ادلهمت الخطوب وضاقت السبل وغلقت الأبواب؛ حينئذٍ يهرب القلب ويتلفت يمنة ويسرة، فمن كان فزعه إلى الله معتقدًا بأنه لا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يدفع السيئات إلا الله ﷿، ولم يمنعه شعوره ذلك من اتخاذ الأسباب التي نصبها الله أسبابًا، فهذا المتوكل حقًا.
وأما من اتكأ على أريكته وقال: أنا متوكل، ولم يفعل سببًا، فهذا متواكل، وليس متوكلًا، فلا بد في التوكل من فعل الأسباب.
استدل المؤلف ﵀ على إثبات عبادة التوكل بقول الله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، هكذا جاء فيما خاطب به موسى ﵇ بني اسرائيل حينما قالوا: ﴿أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ [الأعراف: ١٢٩] فوعظهم وكان في موعظته: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ فدل ذلك على أن التوكل شرط في الإيمان، وكذلك قول الله تعالى على سبيل الإطلاق: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: ٣] ومعنى حسبه؛ أي: كافيه، من: أداة شرط، يتوكل: فعل الشرط، جواب الشرط وجزاؤه: جملة (فهو حسبه) وهذا ضمان من رب العالمين.
وهذه الآية جاءت عند ذكر الرزق حيث قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ