للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويصبح القلب متوازنًا بين هذين، فإذا أقبلت نفسه على الدنيا، واستشرفت مباهجها وفتنها، جاء الخوف فضربه بسوط لاذع وقال: الزم الجادة! وإذا ادلهمت الخطوب، وضاقت به السبل، ووقع في المضائق، جاء نسيم الرجاء فنفس عنه. وعلقه بربه وبفرجه؛ فتنفس الصعداء وتفتحت الآمال، كل هذا بأثر هاتين العبادتين الجليلتين.

وقد صور العلماء الخوف والرجاء كجناحي الطائر؛ لو كان أحد الجناحين أكبر من الآخر لجنح في طيرانه، فينبغي أن يكون الحال الغالب على الإنسان تساوي الخوف والرجاء كما قال ربنا ﷿: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: ٥٧].

[عبادة (المحبة)]

هناك عبادة ثالثة في الحقيقة هذا موضعها ومحلها، لم يذكرها الشيخ، ولعل هذا فوات حرص، وهي من أشرف العبادات القلبية ألا وهي: (المحبة)؛ لأن أمهات العبادات القلبية ثلاث: المحبة والخوف والرجاء، وأصل هذه الأنواع الثلاثة وأشرفها المحبة، فالمحبة أعظم من الخوف والرجاء؛ لأن الخوف والرجاء ينقطعان ببلوغ الجنة: ﴿يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الزخرف: ٦٨] أما المحبة فلا تنقطع، فمحبة المؤمن لربه باقية في الدنيا وتتضاعف في الآخرة، ودليلها قول الله ﷿: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٦٥]؛ فمحبة الله ﷿ أشرف أنواع العبادة.

المحبة كذلك أنواع:

النوع الأول المحبة الطبيعية الغريزية المباحة: كمحبة الطعام،

<<  <   >  >>