للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معلقًا بشخص هذا الطبيب، وإنما يقوم في قلبه أنه سبب ساقه الله تعالى إليه وربما أجرى الشفاء على يديه، فقلبه في الحقيقة يستقبل ربه ولكنه لا يبطل الأسباب، بل يعلم أن الله هو مسبب الأسباب، لا يلغي السبب لكنه لا يغفل عن المسبب، قال ابن القيم : "الرجاء حادٍ يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدار الآخرة ويُطيب لها السير. وقيل: هو الاستبشار بجود وفضل الرب والارتياح لمطالعة كرمه سبحانه. وقيل: هو الثقة بجود الرب " (١). وقد قيل شعرًا:

لولا التعلق بالرجاء تقطعت … نفس المحب تحسرًا وتمزقًا

لولا الرجا يحدو المطي لما سرت … بحمولها لديارهم ترجو اللقا

الفرق بين الرجاء وبين الأماني-: أن الأماني بضاعة البطال، ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] والرجاء مقرون بعمل، ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ﴾ [الكهف: ١١٠]، أما الأماني فإنها تشوفات وتطلعات غير مقرونة بعمل، فلا يلبث أن يرى أن بساط العمر قد طوي ولم يخرج بطائل (٢).

فإياك أن تقع في هذا المزلق - مزلق الأماني-؛ فإنه لا يوصلك إلى مقصودك.

فهاتان عبادتان متقابلتان، الخوف والرجاء، وهذا من بديع دين الله: أن الله يضبط النفس الإنسانية في معادلة دقيقة بحيث أن القلب يجري في هذا المضمار بين قطبي الخوف والرجاء، فالعبد يخاف من الله تعالى خوفًا يحجزه عن معاصيه، ويتعلق بربه تعلقًا يحفزه على طاعته،


(١) مدارج السالكين (٢/ ٣٦).
(٢) ينظر: مدارج السالكين (٢/ ٣٧).

<<  <   >  >>