للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تعريف الطاغوت]

هذا في الواقع هو أحسن وأجمع تعريف للطاغوت، وأصل الطاغوت لغة: صيغة مبالغة من الطغيان، ومعنى طغى الشيء؛ أي: تجاوز، كما قال الله ﷿: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ [الحاقة: ١١]، ﴿لَمَّا طَغَى الْمَاءُ﴾؛ أي: تجاوز منسوبه المعتاد في قصة الطوفان، ﴿حَمَلْنَاكُمْ﴾؛ أي: حملنا أسلافكم، ﴿فِي الْجَارِيَةِ﴾؛ أي: السفينة، فالطغيان معناه التجاوز؛ ولهذا عرَّفه ابن القيم بقوله: مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ: كل إنسان له حد، لا يمكن أن يتجاوز حده، كما قال النبي لابن صياد قال: «اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ» (١)، فكل إنسان له حد.

قوله: (مِنْ مَعْبُودٍ). المقصود: ممن رضي أو دعا إلى عبادة نفسه، أما لو كان معبودًا بغير رضاه، فهو برئ، فعيسى وأمه والعزير برآء، ولا يدخلون تحت هذا الحد؛ لأنهم ما عُبدوا برضاهم، حاشا وكلا، والملائكة أيضًا ما عبدوا برضاهم، إذن من معبود -كما سيفصله لاحقًا- إما: أن يكون دعا لعبادة نفسه أو رضي أن يعبده غيره.

قوله: (أَوْ مَتْبُوعٍ): يعني يُتبع في غير هدى من الله، كما يحصل من الأحبار والرهبان وعلماء السوء الذين يحلون الحرام، ويحرمون الحلال فيتبعوهم، لما دخل الصحابي عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: (أَتَيْتُ النَّبِيَّ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ»، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١]، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ،


(١) أخرجه البخاري رقم (١٣٥٤)، ومسلم رقم (٢٩٣٠) من حديث ابن مسعود مرفوعاً.

<<  <   >  >>