فأما حساب المؤمنين؛ فهو على نوعين أيضًا: أحدهما العرض، والثاني المناقشة:
فالعرض يكون لمن سبقت له من الله الحسنى ممن أراد الله كرامته، ويدل عليه حديث عبد الله بن عمر ﵄:(إِنَّ اللهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ)(١)، فما أسعده! وما أهنأه! فقد زُحزح عن النار وفاز.
أما المناقشة: فهي التي تكون لعصاة الموحدين الذين ارتكبوا كبائر لم يشأ الله تعالى أن يغفرها؛ بل أراد أن يعذبهم عليها بقدرها ثم يؤولون إلى الجنة.
والدليل على هذا التقسيم: أن النبي ﷺ قال يومًا: (لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ إِلَّا هَلَكَ قَالَتْ عائشة قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ أَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ ﷿ (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) قَالَ ذَاكَ الْعَرْضُ يُعْرَضُونَ وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَك) (٢)، يعني من يُدقق معه في المحاسبة؛ دليل على أنه سيعذب بذنبه -أجارنا الله وإياكم-.
أما حساب الكافرين؛ فليس حساب من توزن حسناته وسيئاته؛ لأنه لا حسنات لهم أصلًا، وإنما يقررون بذنوبهم؛ فيعترفون بها على رؤوس الأشهاد ثم يلقى بهم في النار.
الأمر الرابع: الإيمان بالجنة والنار: أن الجنة حق، وأن النار حق، فالجنة هي الدار التي أعدها الله لأهل كرامته، والنار هي الدار التي أعدها الله لأهل مهانته، وأن في الجنة من صنوف النعيم الحسي والمعنوي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن في النار من صنوف العذاب الحسي والمعنوي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر -أجارنا الله وإياكم-.
(١) أخرجه البخاري رقم (٢٤٤١)، ومسلم رقم (٢٧٦٨)، من حديث ابن عمر، ﵄، مرفوعاً. (٢) أخرجه البخاري رقم (٤٩٣٩)، ومسلم رقم (٢٨٧٦)، واللفظ للبخاري من حديث عائشة، ﵂، مرفوعاً.