للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى الجملة؛ كلُّ مَنْ تولَّى ولايةً يتعين عليه ذلك الفعل فيها، أو يجب وإن لم يتعين، كما إذا كان اثنان في وظيفة يحرم على كل منهما أن يأخذ على شغل ما يجب أو يحرم.

فإن قلت: فإن كان مما لا يجب لا يحرم، بل يجوز، هل يجوز الأخذ

عليه؟

قلت: هذا في حق المتولي عزيز، فإنه يجب عليه رعاية المصالح، فمتى ظهرت مصلحة في شيء وجب، ومتى ظهر خلافُها حَرُمَ، ومتى أَشْكَلَ وجب النظر، فإن وُجد في فعل القاضي ونحوه ممن يلي أمور المسلمين ما يتخير بين فعله وتركه على سبيل التشهي.

وإن فرض ذلك فيحرم الأخذُ عليه أيضًا؛ لأنه نائب عن الله تعالى في ذلك الفعل، فكما لا يأخذ على حكمه لا يأخذ على فعله، وأعني بهذا ما يتصرف فيه القاضي غير الأحكام من التولية ونحوها، فلا يجوز له أن يأخذ من أحد شيئًا على أن يوليه نيابة قضاء، أو مباشرة وقف أو مال يتيم.

وكذلك لا يجوز له أن يأخذ شيئًا على ما يتعاطاه من العقود والفروض والفسوخ، وإن لم تكن هذه الأشياء أحكامًا بمعنى أنها ليست تنفيذا لما قامت به الحجة، بل أشياء (١) تصرفات مبتدأة، ولكن الأخذ عليها ممتنع كالحكم؛ لأنه نائب فيها عن الله تعالى كما هو نائب في الحكم عنه.

فإن قلت: قد حَجَرْتَ الأمر على القاضي فيفضي إلى تضييق رزقه.

قلتُ: لا يَحِلُّ للقاضي أن يأخذ شيئًا إلا أن يرزقه الإمام من بيت المال، أو يفعل بيده ما يستحق به أجرةً؛ كأن يكتب مكتوبًا يستحق أجرة مثله فيه، ونحو


(١) كذا في الأصل، والمعنى يستقيم بدون عبارة (أشياء)، والله أعلم.

<<  <   >  >>