وفرسا، واشترى جبة، وشد عمامته على بطنه، واعتجر (١) بالأخرى، فلم ير منه إلا حماليق (٢) عينيه، حتى وقف على المهاجرين، فقالوا: ما هذا الفارس الذي لا نعرفه؟ فقال لهم علي ﵇: كفوا عن الرجل، فلعله ممن طرئ عليكم من قبل البحرين (٣)، أو من قبل الشام، حتى يسألكم عن معالم دينه، فأحب أن يواسيكم اليوم بنفسه؛ إذ رآه رسول الله ﷺ فقال:«من هذا الفارس الذي لم يأتنا فنرغبه في الجهاد»؟ إذ التحمت الكتيبتان، فجعل يضرب بسيفه، ويطعن برمحه قدما؛ إذ قام به فرسه، فنزل عنه وحسر (٤) عن ذراعيه، فلما رأى رسول الله ﷺ سواد ذراعيه عرفه فقال:«أ سعد»، قال: سعد فداك أبي وأمي يا رسول الله، قال:«سعد جدك»، فما زال يضرب بسيفه، ويطعن برمحه، كل ذلك يقتل الله بطعنة رمحه؛ إذ قالوا: صرع سعد، فخرج رسول الله ﷺ نحوه، فرفع رأسه، فوضعه في حجره، وأخذ رسول الله ﷺ يمسح عن وجهه التراب بثوبه، وقال: ما أطيب ريحك وأحسن وجهك، وأحبك إلى الله تعالى، وإلى رسوله ﷺ، فبكى رسول الله ﷺ، ثم ضحك، ثم أعرض عنه، ثم قال:«ورد الحوض ورب الكعبة»، فقال أبو لبابة بأبي وأمي يا رسول الله وما الحوض؟ قال: «حوض أعطانيه ربي تعالى ما بين صنعاء إلى
(١) اعتجر الرجل: أي لف العمامة على رأسه ورد طرفها على وجهه، والاعتجار: لف العمامة على الرأس. جمهرة اللغة: (١/ ٤٦١)، مختار الصحاح: (١٧٤). (٢) حملاق العين بالكسر والضم: باطن أجفانها الذي يسود بالمكحلة، أو ما غطته الأجفان من بياض المقلة، أو باطن الجفن الأحمر الذي إذا قلب للكحل رأيت حمرته، أو ما لزق بالعين من موضع الكحل من باطن. يجمع على حماليق، وحملق الرجل: أي فتح عينيه ونظر شديدا. المحكم والمحيط الأعظم: (٤/ ٤٥)، القاموس المحيط: (١١٣٢). (٣) البحرين: كانت اسما لسواحل نجد بين قطر والكويت، وكانت هجر قصبته، وهي الهفوف اليوم، وقد تسمى الحسا، ثم أطلق على هذا الإقليم اسم الأحساء حتى نهاية العهد العثماني. وانتقل هذا الإسم إلى إمارة البحرين اليوم، وجل ما يحدد البحرين في كتب السيرة هو من الجهة الشرقية من الجزيرة العربية. معجم البلدان: (١/ ٣٤٦ - ٣٤٧)، معجم المعالم الجغرافية: (٤٠ - ٤١)، المعالم الأثيرة: (٤٤). (٤) حسر: أي كشف عن ذراعيه وأخرجهما من كميه. مشارق الأنوار: (١/ ٢١١ - ٢١٢)، النهاية في غريب الحديث: (١/ ٣٨٣) مادة (حسر).