فنظرت فإذا الظراب (١) قد سد بوجوه الرجال، ثم قيل لي: انظر عن يسارك، فنظرت، فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال، ثم قيل لي: أرضيت؟ فقلت: رضيت يا رب، رضيت يا رب، فقيل لي: إن مع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فقال النبي ﷺ: «فداكم أبي وأمي، إن استطعتم أن تكونوا من السبعين ألفا فافعلوا، فإن قصرتم فكونوا من أهل الظراب، فإن قصرتم فكونوا من أهل الأفق، فإني قد رأيت ناسا يتهارشون (٢)»، فقام عكاشة بن محصن (٣) فقال: ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني من السبعين ألف، فدعا له، فقام رجل آخر، فقال: ادع الله يا رسول الله أن يجعلني من السبعين، فقال:«قد سبقك بها عكاشة»، قال: ثم تحدثنا، فقلت: من ترون هؤلاء السبعون ألف؟ قوم ولدوا في الإسلام لم يشركوا بالله شيئا حتى ماتوا، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ، فقال:«هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون»(٤).
(١) الظراب: جمع الظرب وهو ما ارتفع من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلا. جمهرة اللغة: (٢/ ٧٧٠)، غريب الحديث للخطابي: (٢/ ٣٠٥). (٢) يتهارشون: يقال: يتهارشون تهارش الكلاب أي يتقاتلون ويتواثبون، والتهريش بين الناس كالتحريش، ويروى بالواو أي يتهاوشون، والتهاوش: الاختلاط. النهاية في غريب الأثر: (٥/ ٢٥٩) مادة (هرش)، لسان العرب: (٦/ ٣٦٣) مادة (هرش). (٣) أبو محصن عكاشة - بضم أوله وتشديد الكاف وبتخفيفها - ابن محصن بن حرثان الأسدي، حليف بني أمية، كان من فضلاء الصحابة، شهد بدرا وأبلى فيها بلاءا حسنا، وشهد سائر المشاهد مع رسول الله ﷺ إلى أن توفي في خلافة أبي بكر الصديق في حروب الردة عام ١٢ هـ. الاستيعاب: (٣/ ١٠٨٠ - ١٠٨١)، الإصابة: (٤/ ٥٣٣). (٤) أخرجه أحمد في المسند: (١/ ٤٠١/ ح ٣٨٠٦)، والطبراني في المعجم الكبير: (٦/ ١٠/ ح ٩٧٦٦) كلاهما عن عبد الرزاق عن معمر به، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف: (١٠/ ٤٠٨ - ٤٠٩/ ح ١٩٥١٩) عن معمر عن قتادة به، وأخرجه معمر بن راشد في الجامع: (١٠/ ٤٠٨ - ٤٠٩/ ح ١٩٥١٩) عن قتادة عن الحسن البصري به، وأخرجه الطيالسي في المسند: (ح ٤٠٤/ ٥٣)، وابن أبي شيبة في المصنف: (٥/ ٥٣/ ح ٢٣٦٢٤)، وفي المسند: (١/ ٢٦٧ - ٢٦٨/ ح ٤٠١)، وأحمد في المسند: (١/ ٤٢٠)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني: (١/ ١٩٣ - ١٩٤/ ح ٢٤٩ - ٢٥٠)، والبزار في المسند: (٤/ ٢٧٠ - ٢٧٢/ ح ١٤٤٠ - ١٤٤١)، وأبو يعلى في المسند: (٩/ ٢٣١)، والشاشي في المسند: (١/ ٣١٣/ ح ٢٧٤)، وابن أبي حاتم في التفسير: (١٠/ ٣٣٣٢ - ٣٣٣٣/ ح ١٨٧٩٤)، والطبري في التفسير: (٢٧/ ١٩٠)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار: