للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: لَوْ جَازَ لاجْتَمَعَ الْمِثْلانِ، فَيَسْتَلْزِمُ النَّقِيضَيْنِ؛ لأَنَّ الْمَحَلَّ يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا غَيْرَ مُسْتَغْنٍ، وَفِي التَّرْتِيبِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ.

قُلْنَا: فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ، فَأَمَّا مَدْلُولُ الدَّلِيلَينِ فَلا.

وهو كما ذكره الآمدي وجارٍ سواء أفسرت العلة بالأمارة أم الباعث، واقتصر الآمدي على ذكره؛ لأنه لو أورد دليلًا يختصّ بالأمارة، لكان على خلاف ما يفسر هو به العلّة، أو بالباعث، لكان في غير محل تنازع القوم؛ إِذ هم لا يتنازعون إِلا فيما هو مصطلحهم، فأورد دليلًا يأتي على المذهبين.

الشرح: والوجه الثاني: ما أشار إِليه بقوله: "قالوا: لو جاز لاجتمع المِثْلان، فيستلزم النقيضين؛ لأن المحلّ يكون مستغنيًا غير مستغن، وفي الترتيب تحصيل الحاصل".

وفي عبارته قَلَق، فلنقرر الوجه واضحًا، ثم نشرحها، فنقول: اجتماع علّتين على معلولٍ واحد يفضي إِلى أحد أمور ثلاثة، إِما اجتماع المِثْلين، أو تحصيل الحاصل، أو نقض العلّة.

وبيان الملازمة: أنه إِذا وجدت علّة من تلك العلل، لا بد أن تقتضي حصول الحكم، وإِلا يحصل النقض، سواء اقتضت غيره أم لم تقتض شيئًا؛ لوجدان التخلّف، وهو باطل؛ لما تقدم.

فإِذا حصلت العلّة الثانية، فإِن اقتضت حصول ذلك الحكم بعينه لزم تحصيل الحاصل، أو مثله، لزم اجتماع المِثْلَين، ويلزم على تقدير اقتضائها غير الحكم، ومثله: أن يكون مقتضاها غير مقتضى الأولى، فلم يتواردا على مَعْلُول واحد، وهو المدعى، وكذلك فيما إِذا اقتضت مثله؛ لأن مثل الشيء غيره، وهنا مَعْلُولان لا معلول واحد، وهذا دليل ناهض، سواء حصلت العلّتان معًا، أم على التعاقب، إِلا أنّ المعيّة تختص باجتماع المثلين، ولا يأتي فيها تحصيل الحاصل، وأنت ترى المصنّف كيف قرر هذا الدليل على وجه آخر.

وتقريره أن يقال: لو جاز التَّعليل بعلّتين مستقلتين، لزم اجتماع المثلين، أو تحصيل الحاصل؛ لأنّ العلتين، إِما أن تكونا معًا أو على الترتيب، فإِن كانتا معًا، يلزم اجتماع المثلين؛ لأن وجود العلّة المستقلة ملزومة لمعلولها، فيلزم من كلّ واحدة منهما مثل ما لزم من الأخرى، فيلزم اجتماع المثلين، وإن كانتا على التَّرْتيب يلزم تحصيل الحاصل، ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>