للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وللأسف فإن الشيطان قد أضل فئامًا من بني آدم فحملهم على دعاء غير الله، وزين لهم ذلك؛ فصاروا يتخذون الأصنام على هيئات متنوعة، ويزعمون أنها وسائط بينهم وبين الله ﷿.

وأول ما ظهر ذلك في قوم نوح، فإن قوم نوح كانوا فيما مضى على التوحيد، وكان بين آدم ونوح عشرة قرون، وخلال هذه القرون المتطاولة زين الشيطان لهم تعظيم الصالحين من المتقدمين؛ ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرًا، وقال للناس: هؤلاء لهم جاه عند الله ومنزلة فلو أنكم ذهبتم إلى المواضع التي كانوا يجلسون فيها ونصبتم فيها أنصابًا حتى إذا رأيتموها ذكرتموهم فنشطكم ذلك على العبادة، وهذا مدخل لطيف، فإن الشيطان لا يأتي الناس مباشرة، قائلاً: أشركوا بالله!، وإنما يتلطف في تسويق باطله. فلما اندرس ذلك الجيل وجاء جيل بعده أتى الشيطان إليهم، وقال: هؤلاء لهم جاه عند الله فادعوهم لكي يتحقق ما تريدون، فدعوهم من دون الله فوقعوا في الشرك الأعظم، فبعث الله نوحًا لردهم إلى التوحيد، ثم إن هذه الأصنام بعدما طمرها الطوفان، عاود الشيطان الكَرة، فأتى عمرو بن لحي الخزاعي - أول من أدخل الشرك في العرب- في المنام وقال له: ائت جُدة تجد أصنامًا معدة، وادع إليها العرب تجب، فذهب إلى الموضع الذي ذكر، وكشف عن هذه الأصنام وبثها في الناس، فعاد الناس إلى عبادة غير الله ﷿ (١).

الدعاء من أعظم مراتب العبادة: فيجب أن يخلص العبد دعاءه لله رب العالمين، وألا يلتفت إلى غير الله، لكن ينبغي أن نعلم أن الدعاء الذي هو فيصل التفرقة بين التوحيد وبين الشرك: هو أن يدعو العبد ربه


(١) ينظر: مختصر سيرة الرسول ، للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص: ٧٢).

<<  <   >  >>