للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: (وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١]): هذه نتيجة الحساب: الجزاء، والحساب كما تقدم على نوعين: حساب المؤمنين، وحساب الكافرين:

فأما حساب الكافرين: فإنه ليس حسابًا بمعنى الموازنة بين الحسنات والسيئات؛ لأنه لا حسنات لهم: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: ٢٣]. فليس في الكفة الأخرى شيء يوضع أصلًا؛ لأن الشرك لا تبقى معه حسنة، وإنما يقررون بذنوبهم، فيعترفون بها؛ إظهارًا للحق، ثم يؤمر بهم فيلقون في جهنم -عياذًا بالله-.

وأما المؤمنون فإن حسابهم على ضربين: عرض ومناقشة:

فالعرض: يكون لمن سبقت له من الله الحسنى، ممن أراد الله تعالى به خيرًا، عن ابن عمر -رضي الله عرضي الله عنهما- قال سمعت رسول الله يقول: (يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ ﷿، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ) (١).

ما أسعده! ما أهنأه! حينما يقرع سمعه (فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ). تلكم هي السعادة الحقيقية؛ سعادةً لا يشقى بعدها أبدًا.

وأما المناقشة فإنها تكون في حق من أراد الله تعالى أن يعذبهم من عصاة الموحدين بقدر ذنوبهم، فإنه يدقق معهم في الحساب؛ لأنه يراد


(١) أخرجه البخاري رقم (٤٦٨٥)، ومسلم رقم (٢٧٦٨).

<<  <   >  >>