التي نص عليها بقوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]. وقال منكرًا على من زعم عدم الحكمة أو غاب عنه ذلك أو لم يؤمن به: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٥]. لا يمكن أن يقيم الله ﷿ هذا البناء العالي وهذا الأرض الممهدة، وينشر فيها هذه الخلائق، ويبث فيها رجالًا ونساءً لا لحكمة! فالله ينزه عن العبث بل ذلك لحكمة بالغة، ولأجل ذا قال: وَبَعْدَ الْبَعْثِ مُحَاسَبُونَ.
فحين يبعث الناس ويسيرون إلى أرض المحشر يطول بهم المقام، ينتظرون الفصل في يوم طويل جدًا جدًا، يلحقهم فيه من العنت والعناء الشيء العظيم؛ إلا من خفف الله تعالى عنه ذلك، قال ربنا: ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ [المدثر: ١٠]. ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ [القمر: ٨، ٧، ٦]. عياذًا بالله.
ففي ذلك الموقف العظيم يعرق الناس بعد أن تُدنو الشمس منهم قدر ميل، فعن سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ:«تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ» قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ - قَالَ:«فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا» قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ) (١). وهذا من الغيب الذي يجب