تكلمت فيما تقدم عن شيء من بلاغة القرآن الكريم في استعمال المفردة القرآنية من حيث هي مفردة، وتكلمت عن شيء من أحوال كنهها وحقيقتها، وسأتمم ذلك بالكلام عن الكلمة القرآنية مركبة مع مثيلاتها في النظم القرآني المعجز، مقتصراً في كلامي هنا على الفسطاط الذي قام عليه بيت الإعجاز من مباحث علم المعاني، ملمحاً إلى أن هذا البيت لم يقم على اللفظ وحده، ولا على المعنى وحده، ولا على النظم وحده، بل كان لكل ركن من هذه الأركان مكانه ووظيفته وغايته.
[الفرع الأول الحذف والذكر]
من أعظم أساليب اللغة العربية وأبدعها أسلوب الحذف والذكر، وهو باب (دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر؛ فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة؛ وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانا إذا لم تبن؛ وهذه جملة قد تنكرها حتى تخبر، وتدفعها حتى تنظر)(١).