٥) لم يكن الرافعي مقلداً بالمعنى الحرفي الذي يفهم من لفظ التقليد، بل كان يصدر عن فكر ثاقب خاص بفهمه ووعيه وتبحره في العلوم عامة وفي علوم اللغة خاصة.
[الفرع الثاني الإعجاز عند الرافعي]
قبل أن أفصّل في نظرية الإعجاز عند الرافعي أحب أن أذكر شيئا من كلامه نصاً (١) حتى يتعرف القارئ على شيء من منهجيته بنفسه قبل الخوض في التحقيق والتقرير والتدقيق.
يقول الرافعي-﵀: (أما الذي عندنا في وجه إعجاز القرآن، وما حققناه بعد البحث، وانتهينا إليه بالتأمل وتصفح الآراء وإطالة الفكر وإنضاج الروية، وما استخرجناه من القرآن نفسه في نظمه ووجه تركيبه واطراد أسلوبه؛ ثم ما تعاطيناه لذلك من التنظير والمقابلة، واكتناه الروح التاريخية في أوضاع الإنسان وآثاره، وما نتج لنا من تتبع كلام البلغاء في الأغراض التي يقصد إليها، والجهات التي يعمل عليها، وفي رد وجوه البلاغة إلى أسرار الوضع اللغوي التي مرجعها إلى الإبانة عن حياة المعنى بتركيب حي من الألفاظ، يطابق سنن الحياة في دقة التأليف وإحكام الوضع وجمال التصوير وشدة الملاءمة، حتى يكون أصغر شيء فيه كأكبر شيء فيه - نقول إن الذي ظهر لنا بعد كل ذلك واستقر معنا، أن القرآن معجز بالمعنى الذي يفهم من لفظ الإعجاز على إطلاقه،
(١) وهذا دأب كثير ممن كتب عن الرافعي؛ إخراجاً للنفس من دائرة الشك أو الوهم أو التوهيم.