إن القرآن هو معجزة الطبيعة الكلامية التي لم تعرف البشرية مثلها، وما انعقد إجماعها يوماً من الأيام على غير القرآن، ولن يزول هذا الإجماع ما بقي في الأرض لفظ من العرب.
(وإنما اطرد ذلك للقرآن من جهة تركيبه الذي انتظم أسباب الإعجاز من الصوت في الحرف، إلى الحرف في الكلمة، إلى الكلمة في الجملة، حتى يكون الأمر مقدراً على تركيب الحواس النفسية في الإنسان تقديراً يطابق وضعها وقواها وتصرفها، وذلك إيجاد خلقي لا قبل للناس به ولم يتهيأ إلا في هذه العربية عن طريق المعجزة التي لا تكون معجزة حتى تخرق العادة، وتفوت المألوف، وتعجز الطوق)(١).
هذا ملخص ما ذكره الرافعي في جزء نظريته الثالث، ولا يتسع المقام للتفصيل في شرح مقالته، والنظر في دقة تقسيماته، فلهذا موطن آخر بإذن الله تعالى.
[الفرع الرابع مقارنة بين نظم عبد القاهر ونظم الرافعي]
من خلال ما تقدم أجدني مضطراً لبيان الفروق بين نظرية النظم عند عبد القاهر وعند الرافعي -رحمهما الله تعالى- فأقول:
(١) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، الرافعي، ص ١٦٤.