للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث السادس الإعجاز التأثيري]

من أوجه الإعجاز التي ذكرها العلماء الإعجاز التأثيري، وقد اشتهر هذا القول عند المتقدمين عن الإمام الخطابي، حيث يقول: (قلت في إعجاز القرآن وجهاً آخر ذهب عنه الناس، فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ من آحادهم، وذلك صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً، إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه، تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق، وتغشاها الخوف والفرق، تقشعر منه الجلود وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها؛ فكم من عدو للرسول من رجال العرب وفتاكها أقبلوا يريدون اغتياله وقتله فسمعوا آيات من القرآن، فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الأول، وأن يركنوا إلى مسالمته، ويدخلوا في دينه، وصارت عداوتهم موالاة، وكفرهم إيماناً) (١).

ويرى الدكتور عبد الكريم الخطيب أن كثيراً من المتقدمين لم يصرحوا بالإعجاز التأثيري، إلا أنهم ذكروا مادته وأدلته، وذكر منهم الجرجاني حيث كان يعرض كثيراً لتأثير القرآن الكريم في نفوس المخاطبين، ومن ذلك قوله: (ومن هذا الذي يرضى من


(١) الخطابي، بيان إعجاز القرآن، ص ٧٠.

<<  <   >  >>