للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفسه أن يزعم أن البرهان الذي بان لهم، والأمر الذي بهرهم، والهيبة التي ملأت صدورهم، والروعة التي دخلت عليهم فأزعجتهم حتى قالوا: «إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وأن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، إنما كان لشيء راعهم من مواقع حركاته، ومن ترتيب بينها وبين سكناته؟ أم لفواصل في أواخر آياته؟ من أين تليق هذه الصفة وهذا التشبيه بذلك؟) (١).

وقد قال في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٠]، (ليس بخافٍ أن لتقديم «الشركاء» حسناً وروعةً ومأخذاً من القلوب، أنت لا تجد شيئاً منه إن أنت أخرت فقلت: «وجعلوا الجن شركاء الله»، وأنك ترى حالك حال من نقل عن الصورة المبهجة والمنظر الرائق والحسن الباهر، إلى الشيء الغفل الذي لا تحلى منه بكثير طائل، ولا تصير النفس به إلى حاصل. والسبب في أن كان ذلك كذلك، هو أن للتقديم فائدة شريفة ومعنى جليلاً لا سبيل إليه مع التأخير. بيانه، أنا وإن كنا نرى جملة المعنى ومحصوله أنهم جعلوا الجن شركاء وعبدوهم مع الله تعالى، وكان هذا المعنى يحصل مع التأخير حصوله مع التقديم، فإن تقديم «الشركاء» يفيد هذا المعنى، ويفيد معه معنى آخر، وهو أنه ما كان ينبغي أن يكون لله شريك، لا من الجن ولا غير الجن) (٢).


(١) الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن (٤٧١ هـ)، دلائل الإعجاز، تحقيق: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، دار المدني، جدة، الطبعة الثالثة، ١٩٩٢ م، ج ١، ص ٣٨٨.
(٢) دلائل الإعجاز، الجرجاني، ج ١، ص ٢٨٦.

<<  <   >  >>