ولقد تصدر القرآن الكريم في بيانه ودقة ألفاظه ومعانيه اللسان العربي، ووصل في ذلك إلى درجة لا يستطيع كلام أن يماثله ولا أن يقترب منه أو يدانيه.
والحذف في مجمله ثلاثة أقسام، أولها حذف المسند إليه. وثانيها: حذف المسند. وثالثها: حذف ما عداهما. والذكر مثله. وإليك شيئاً من أمثلة القرآن الكريم على الحذف والذكر تبياناً وتطبيقاً لهذا الملحظ الإعجازي البديع.
أولاً: في المتشابه (١)
ومن أمثلة هذا الباب ما جاء من حذف كلمة:(رغداً). فجاء التصريح بها في قوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥)﴾ [البقرة: ٣٥]، ولكنها حذفت في قوله تعالى: ﴿وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩)﴾ [الأعراف: ١٩]. فما السبب؟
إن المقام في الآية الأولى مقام تعظيم حيث تقدم النداءَ إسنادُ الفعل إلى الله تعالى: ﴿وَقُلْنَا﴾، على خلاف آية آل عمران، فناسب هذا زيادة الإكرام والإنعام، فجيء بكلمة: ﴿رَغَدًا﴾ لتناسب الكرم والتوسعة للعظمة.
(١) ارتأيت في هذا المطلب أن أمثّل على كل فرع بأمثلة من المتشابه اللفظي وأمثلة من غير المتشابه اللفظي، والسبب في ذلك أن أمثلة المتشابه اللفظي تحتاج إلى تفكر أكثر وتدبر أعمق من مثيلاتها في غير المتشابه.