ويرى بعض العلماء أن:(الوجهين الذين ذكرهما ابن فارس يرجعان إلى أصل واحد، وهو التأخر كما ذكر الراغب، فأصل العجز في اللغة مؤخر الإنسان واستعير لغيره، وهناك صلة وثيقة بين هذا المعنى وبين القصور عن الشيء؛ فإن التأخر والقصور متلازمان؛ لأن من تأخر عن غيره، إنما يرجع ذلك إلى تقصيره)(١). كما يرى ﵀ أن اللغويين والمفسرين مجمعون على أن ليس للعجز إلا هذا المعنى (٢).
قلت: وفي هذا الكلام نظر، وبيانه من وجوه كثيرة أذكر منها:
أولاً: إن استعمال القرآن الكريم لمادة: (عجز) في معنى الضعف وعدم القدرة أكثر منه في معنى التأخر، حتى مادة:(عجز) في قوله تعالى: (أعجاز نخل منقعر)، فالمراد منها أصول النخل، وليست صريحة في أنها أواخر النخل.
ثانياً: إنه لا مانع في اللغة أن يكون للكلمة الواحدة معنيان اثنان، ولا فائدة من محاولة إرجاع الألفاظ إلى أصل واحد، واعتبار جميع الأصول الأخرى معان مجازية.
ثالثاً: عد الدكتور ﵀ أصلَ (التأخر) أصلاً حقيقياً، وعدَّ أصلَ (الضعف) أصلا مجازياً، والناظر في مجموع النصوص التي ورد فيها أصل مادة (عجز) وفي كلام المفسرين وشراح الحديث النبوي لها، يجد أن معنى الضعف في أن يكون هو الحقيقة أولى منه في معنى التأخر، وأما الاعتماد على تصنيف الألفاظ حسب دلالتها على المعاني المادية
(١) صاحب هذا القول هو أستاذنا الجليل الدكتور فضل عباس رحمه الله تعالى. انظر: إعجاز القرآن، فضل عباس، ص ٧ - ٨. (٢) إعجاز القرآن، فضل عباس، ص ٧ - ٨.