وثانيهما: ما رجحه الزركشي واعتمده من وجوه الإعجاز المنضبطة بمجموعة كبيرة من الضوابط والأوصاف، والتي مثّل عليها بأمثلة كثيرة تجعلني ألجأ إلى هذا النظر.
وبناءً على ما سبق فإن ما ذكره الرافعي في كتابه:«إعجاز القرآن والبلاغة النبوية» لا يبتعد كثيراً عن منهج الزركشي ومن نحا نحوه في التعبير عن إعجاز القرآن الكريم بعدم الإحاطة، مع فارق ليس بالبعيد بين القولين، وأتركك مع عبارة الرافعي حتى تدرك ذلكم التقارب الواضح بين الكلامين حيث يقول: (أما الذي عندنا في وجه إعجاز القرآن، وما حققناه بعد البحث، وانتهينا إليه بالتأمل وتصفح الآراء وإطالة الفكر وإنضاج الروية، وما استخرجناه من القرآن نفسه في نظمه ووجه تركيبه واطراد أسلوبه؛ ثم ما تعاطيناه لذلك من التنظير والمقابلة، واكتناه الروح التاريخية في أوضاع الإنسان وآثاره وما نتج لنا من تتبع كلام البلغاء في الأغراض التي يقصَد إليها، والجهات التي يعمل عليها، وفي رد وجوه البلاغة إلى أسرار الوضع اللغوي التي مرجعها إلى الإبانة عن حياة المعنى بتركيب حي من الألفاظ يطابق سنن الحياة في دقة التأليف وإحكام الوضع وجمال التصوير وشدة الملاءمة، حتى يكون أصغر شيء فيه كأكبر شيء فيه - نقول إن الذي ظهر لنا بعد كل ذلك واستقر معنا، أن القرآن معجز بالمعنى الذي يُفهم من لفظ الإعجاز على إطلاقه، حين ينفى الإمكان بالعجز عن غير الممكن، فهو أمر لا تبلغ منه الفطرة الإنسانية مبلغاً وليس إلى ذلك مأتى ولا جهة؛ وإنَّما هو أثر كغيره من الآثار الإلهية، يشاركها في إعجاز الصنعة وهيئة الوضع، وينفرد عنها بان له مادة من الألفاظ