للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنه لا يجوز أبداً أن تتحدى الناس بشيء لا حد له ولا ضابط، ولو أن إنساناً أتى بكلام آخر وادعى فيه ما ادعى دون أن يأتي على ذلك بدليل، فأنى يكون الحكم عليهما؟ وكيف نحكم لأحدهما بالإعجاز والغلبة دون محكّمات ومرجحات.

إن أمر الإعجاز أكبر بكثير من أن يكون مطلقاً دون قيد، وأكبر من أن يكون أمرا لا يمكن التعبير عنه.

ولكني أقول تعقيباً على ما قاله الزركشي: إن ما نقله الزركشي عن بندار بن الحسن الفارسي يجعلني أنظر إلى كلامه من زاوية أخرى، وذلك أن مضمون كلامه الإشارة إلى عموم إعجاز القرآن في القرآن، وليس أنه أمر لا يمكن التعبير عنه بالصورة التي قد يفهم من ظاهرها غياب الضوابط والحدود والشروط، فيقول في ذلك: (هذه مسألة فيها حيف على المفتي، وذلك أنه شبيه بقولك ما موضع الإنسان من الإنسان، فليس للإنسان موضع من الإنسان بل متى أشرت إلى جملته فقد حققته ودللت على ذاته) (١).

وكأنه يريد أنك لا تطلب الإعجاز في أي شيء من القرآن إلا وجدته في ذلك الشيء منه. فلا يخلو من إعجاز في كله وأجزائه، حاله في ذلك حال من سئل عن الإنسان فأشار بيده إلى جزء منه، فإنه لم يخالف الحقيقة، بل إنه يصيبها إذا أشار إلى أي جزء منه، لتحقق الإنسانية في كل ما يمكن أن يشار إليه منه.

وإنني إذ أقول ذلك؛ فإني أذكره اعتذاراً للزركشي وبياناً لحقيقة تعبيره الذي صَدّر به هذا الوجه، وقد ساعدني على ذلك أمران:


(١) الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج ٢، ص ١٠٠.

<<  <   >  >>