حيث يقيّدون خرق العادة باشتراط التحدي. على أن عدداً ممن عرف المعجزة لم يرتض هذا القيد؛ لأمور كثيرة منها:
أولاً: إن هذا الشرط لا دليل عليه من الكتاب ولا السنة ولا الإجماع (١).
ثانياً: إن أكثر ما نزل من المعجزات كانت بلا تحد، يقول الزرقاني المالكي:(أكثر آياته ﷺ وأعمها وأبلغها كانت بلا تحدٍّ، كنطق الحصى، ونبع الماء، ونطق الجذع، وإطعامه المئين من صاع، وتفله في العين، وتكليم الذراع، وشكوى البعير، وكذا سائر معجزاته العظام، ولعله لم يتحد بغير القرآن، وتمني الموت)(٢).
ثالثاً: إن الله تعالى سمى تلك المعجزات المطلوبة من الأنبياء آيات، ولم يشترط تحدياً، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠٩)﴾ [الأنعام: ١٠٩] وقال تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (٥٩)﴾ [الإسراء: ٥٩](٣).
(١) انظر ما قاله ابن حزم في كتابه المشهور: الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم الأندلسي، علي بن أحمد بن سعيد، (٤٥٦ هـ)، مكتبة الخانجي، القاهرة، ج ٧، ص ٥. (٢) شرح الزرقاني على المواهب اللدنية، الزرقاني، محمد بن عبد الباقي بن يوسف، (١١٢٢ هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط ١، ١٤١٧ هـ/ ١٩٩٦ م، ج ٦، ص ٤١٢. قلت: وما ذكره الزرقاني أدخله بعض العلماء في باب دلائل النبوة. (٣) شرح الزرقاني على المواهب اللدنية، الزرقاني، ج ٦، ص ٤١٤.