فقد طوى ذكر الملهى عنه، وقد ذكر ابن عاشور أنه القرآن والتدبر فيه (١)، قلت: ما ذكره صحيح، والأصح منه أن نقول بعموم المُلهَى عنه، وأنه شامل لكل ما يتقرب فيه إليه تعالى، ومنه ما ذكره ابن عاشور وغيره من المفسرين من أنه القرآن أو التدبر فيه، وهذه هي نكتة طَويِ ذكرِ المُلهَى عنه حتى تذهب النفس في تقديره كل مذهب. ولنكتة أخرى ذكرها البقاعي وهي التعظيم، يقول البقاعي:«لتعظيمه، والدلالة على أنه ليس غيره مما يؤسف على اللهو عنه»(٢).
فانظر -رحمك الله- إلى هذه الآية العظيمة، ثم انظر إلى أسلوب الحذف؛ كيف يؤدي دروساً كبيرة ورسائل بليغة في موعظة اللاهين وتنبيههم إلى غفلتهم عن شرائع الله ودينه، فحذف المُلهى عنه والمُلهى به. ولهذا قال شيخ الصناعتين عبد القاهر الجرجاني:«ما من اسم حُذِفَ في الحالة التي يَنْبَغي أن يُحْذَفَ فيها إلاَّ وحَذْفُهُ أحْسَنُ من ذِكْره»(٣).
ولعل في هذا الحذف درساً يتناسب مع واقع الإنسان وحقيقة أمره، فيسأل نفسه: هل لهوت حقاً؟ وما الذي ألهاني؟ وعن أي شيء لهوت؟ فيبقى في محاسبةٍ لنفسه ومُراجعةٍ ومُسائَلة، حتى يعرف ذنبه، ويتيقن خطأه، فيكون ذلك سبيلاً إلى أن يؤوب إلى الله ويرجع عن لهوه وغفلته.
(١) ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج ٣٠، ص ٥١٩. (٢) إبراهيم بن عمر البقاعي (ت ٨٨٥ هـ/ ١٤٨٠ م)، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، تحقيق: عبد الرزاق غالب المهدي، بيروت، دار الكتب العلمية، ١٤١٥ هـ/ ١٩٩٥ م، ج ٨، ص ٥١٦. (٣) انظر: محمد بن عبد الله الزركشي (ت ٧٩٤)، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مصر، دار إحياء الكتب العربية، ١٣٧٦ هـ/ ١٩٥٧ م، ج ٣، ص ١٠٥.