يقول ابن قيم الجوزية:«الوالي والقاضي والشافع ممنوع من قبول الهديَّة، وهو أصل فسادِ العالم، وإسناد الأمر إلى غير أهله، وتولية الخونة والضعفاء والعاجزين، وقد دخل بذلك من الفساد ما لا يُحصيه إلا الله؛ وما ذاك إلا لأنَّ قبول الهدية ممن لم تَجْرِ عادته بمهاداته ذريعة إلى قضاء حاجته، وحُبُّكَ الشيء يُعمي ويُصِمُّ، فيقوم عنده شهوة لقضاء حاجته مكافأة له مقرونة بشره وإغماض عن كونه لا يصلح»(١).
ولهذا، كان أغلب كلام السادة الفقهاء والعلماء الأجلاء في مدوناتهم الفقهية منصبا على القضاة، ومتوجها إليهم، وإن كان الحكم لا ينحصر فيهم، إلا أنه في حقهم أغلظ وأخطر.
يقول الفقيه أبو الحسن الماوردي في حق قضاة الأحكام:«فالهدايا في حقهم أغلظ مأثما وأشدُّ تحريماً؛ لأنَّهم مندوبون لحفظ الحقوق على أهلها دون أخذها، يأمرون فيها بالمعروف وينهون فيها عن المنكر، وقد روى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: «لعن الله الرَّاشِي والمرتشي في الحكم»(٢) فخص الحكم بالذكر؛ لاختصاصه بالتغليظ» (٣).
ويلتحق بهم عند عامة الفقهاء سائر أصحاب الولايات والأعمال والوظائف؛ فإنَّهم في حكمهم.
ولما كانت هذه المسألة بهذه المنزلة، خصها بعض الفقهاء بالتأليف،
(١) إعلام الموقعين عن رب العالمين ٥/ ٢٠. (٢) سيأتي تخريجه والحكم عليه ص ٦٠. (٣) الحاوي، للماوردي ١٦/ ٢٨٦.