للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: ٢٢]. لا يمكن أن يوجد ذلك! بشهادة رب العالمين، لا يمكن أن يوجد قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر ويجتمع مع إيمانهم ذلك مواده لمن حاد الله ورسوله، ومعنى ﴿حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾؛ أي: وقف في حد يقابل حد الله ورسوله، فهو مناوئ لله ورسوله، فلا يمكن أن يجتمع في قوم إيمان بالله واليوم الآخر ومودة للمحادين لله ورسوله أبدًا؛ فإن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله.

ويدل عليه قوله: (ولو كان أقْرَبَ قريبٍ، والدليل قوله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾)، فإذا تزاحم في القلب موالاة الله رسوله، مع موالاة أعداء الله ورسوله، فإن الأمر محسوم، فالمؤمن الحق يقدم محبة الله ورسوله كما قال تعالى في آية براءة: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين﴾ [التوبة: ٢٤]، إذن لا يجتمعان.

ومن أعجب ما جاء عندما خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ - في الفترة التي كان فيها مشركا - (حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ طَوَتْهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا بُنَيّةُ مَا أَدْرِي أَرَغِبْت بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ أَمْ رَغِبْت بِهِ عَنّي؟ قَالَ بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللهِ وَأَنْتَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ نَجِسٌ وَلَمْ أُحِبّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ قَالَ وَاَللهِ لَقَدْ أَصَابَك يَا بُنَيّةُ بَعْدِي شَرّ) (١).


(١) مغازي الواقدي (٢/ ٧٩٢)، سيرة ابن هشام ت السقا (٢/ ٣٩٦)، وقال الشيخ الألباني في تخريج أحاديث فقه السيرة (ص: ٣٧٣): رواه ابن إسحاق بدون إسناد.

<<  <   >  >>